عـلـى زورق الـوحـدة أبحـرت ُ فـي ظـلمـات الفـراق أجــدف
أمـواج الـليالـي بـمـجداف الصبر البالي ، متجها إلى بر اللقاء
لملاقاتها ، أبحر وكأنـني لا أبحـر، فالمسافة بدلا من نقصانها
تـزود ، والـهـم بـدلا مـن أن يرفع أشرعته صار يرخيها كنت
احـمل زهـرة العمر التي قطفتها مـن حـديقة أيامي هديـة لها
و مستبشرا باللـقاء الذي يضفي عـلى الأرض ثوبـها المطرّز
بالـخزامى والمعطـر بالكادي ، اللقاء الذي يُلبس الـقـلـب تاج
السعادة ، وإذا بموج ٌ غـــاضب ، موج ٌ لم يعرف بفتاة جميله
اسـمـهـا الرحمة ، ولم يسمع بزمـيـلتهـا الـتي تـسمـى السعادة
يـزحـف نـحـو زورقـي الـصـغـير ومجدافي المتهالك ، ويجر
خـلـفـه ذيل الحزن القــاسي ، ليقـلـبه رأساً عـلى عقب وتحته
اسـماك الوداع متلهفـة لأمـنيتي اليائسة والتلذذ بحظي الزائف
فقد كـان ذاك الـمـوج أتـى ليكـوي قلبي بنار الوداع ، ووسمه
بـعـدم الاجتماع ، يخبرني برحيل اغلى الناس التي كان لبسها
الـحنان ولمستها تفوح منه المحبة والرحمة ، إنها جدتي لامي
بل كما كنت أناديها بأمي الغالية أمي الحنون،رحلت وتركتني
خلفها وصية ابنتها ،التي رحلت قبلها بعقد ونصف من الزمن
وصية ابنتها التي تتمنى تحقيقها كحلم كــل أنثى ، تريد سماع
كـلـمة تـنزل على قلبها كقطرة ندى على ورد ، تريد أن تودّع
وحدتها بطفل يـضـيء حـيـاتها تريد أن تكون أما ولكن .!!
رحلت ولم تسمعها ابدا يناديها بل ولم تقر عينها به ولم تضمه
إلى حـضـنها اللطيف لتتركني يتيما عند أمها التي اهتمت بي
حتى تبسمـت ثم ترعـرعـت لتفارقني هي الأخرى وتـتـركني
بـعـدهـا بـدون قـبـلـة ُ وداعـا ً أو تــلـويـحـا ً بـأيــدي الــلــقـاء
رحـلـت مـهـاجـرة إلى حـيـاة أخـرى
(الـلـهـم اجـعـلـها حـيـاةسـعـيـدة وهـنيـئة لها ولابنتها )
فقد كنت بعدهن كطفل تائها في صحراء قاحـلة لا يـدري إلى
أيـن يـتـجـه ؟ و لا يـعـرف مـنأيـن أتـى ؟ و إلـى أيـن يـذهـب؟
حـتى أتاه ذاك الرجل لابسا ً ثوب المربي ، وغترة المعلم ،
وفوقها عقال التوجيه ، ليمسك بـيـده الـشـاحبـة ويـمـسح
على رأسـه المغـبـر و يحضنه ببيته بـيـت الـرحـمـة والـسـعادة
بيت زخـرفته الحرية الإسلامية و إنارته الصلاة ، ويهـتـم بـه بـعد
أن كاد أن يضيع بين جبال الــــظــــلال وســــهــــول الــــدمــــار